لقد احتفلنا بعيد الأضحى المبارك قبل أسابيع فقط من عيد الميلاد وعيد الأنوار. ويستحسن أن يدفعنا هذا التزامن بين الأعياد الدينية المختلفة إلى النظر في عامنا هذا الموشك على الانقضاء، وإلى التساؤل مرة أخرى: لماذا لم يكن هذا العام هو العام المنشود؟ إننا نرتبط جميعاً في منطقتنا، على اختلاف أدياننا، بتراث روحي مشترك. ولذا يذكّرنا تزامن احتفالاتنا الدينية بأننا نشترك في آليات مماثلة للتجديد الروحي. ومن المؤسف في محاولتنا للحفاظ على عادات وتقاليد حضارتنا المشتركة أن بعض الأفراد يعملون لتقويض الأسس التي بنيت عليها. وقد بدأ عام 2010 بكثير من الوعد والأمل، فتقارب الولايات المتحدة الأميركية مع المنطقة والعالم الإسلامي، كما أوضح أوباما في القاهرة في يونيو 2009، كان يعني الشروع بجدية في شفاء الجروح القديمة وإعادة بناء العلاقات المتشظيّة. وبالطبع كانت القضية الفلسطينية - الإسرائيلية ميدان الاختبار الرئيسي لهذه الأجواء الجديدة الإيجابية. وكانت هناك أيضاً مؤشرات أخرى للتغيير، إذ كان 2010 هو العام الذي ستبدأ فيه القوات الأميركية في الانسحاب من العراق وسيتم فيه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. والعام الذي سيؤكّد فيه الاقتصاد العالمي ذاته أخيراً بعد صدمات الانهيار الاقتصادي الأكبر منذ قرن تقريباً. ولكن القصة التي تكشّفت كانت واحدة ويعمّها منطق غريب للفشل. فقد انسحبت غالبية القوات الأميركية من العراق، ولكن تشكيل الحكومة الائتلافية بقي متعذراً زمناً طويلاً ولم يحل إلا مؤخراً بعد طول مخاض. وحتى قبل الاغتيال الآثم للمسيحيين العراقيين في كنيسة ببغداد يوم 31 أكتوبر، كان العشرات يفقدون أرواحهم كل يوم. والآن يتم إجبار واحدة من أقدم الأقليات الدينية في المنطقة على الفرار بأعداد كبيرة. أما بالنسبة لعملية السلام فقد أضحت أكثر غموضاً في ظل المزيد من الكلام وصراع الأيديولوجيات والمواقف المتباينة. إن الشرق الأوسط الحقيقي ليس أصلاً مكاناً للتطرف، بل على العكس. ولكنه يواجه اليوم تحدّيات متطرفة. إذ تستمر بعض الدول العربية في حراسة مصالحها بشدّة وحدّة، على رغم دروس وميراث تاريخناً. وهنالك خمسة وخمسون مليوناً من الشباب العاطلين عن العمل في منطقة الشرق الأوسط. وقد خلقت الحروب المختلفة منذ عام 1990 المزيد من المهجرين أكثر من أي فترة أخرى. إن عيد الأضحى وعيد الميلاد مناسبتان للشكر والنظر إلى الوراء لتقييم العام المنقضي. وعلى رغم أن عام 2010 لم يجلب التغيير أو السلام، إلا أننا لا نزال شاكرين لأنه لم يجلب المزيد من الحروب. وبدلاً من ذلك، فإن ما جلبه هو ربما فهم أعمق لخطورة مشاكلنا، وللتضحيات الجسام التي سنتكبدها من أجل حلها، والمخاطر الأوسع التي سيجلبها أي فشل، بكل تأكيد. واليوم في منعطف العام الجديد، 2011، ينبغي أن تتضافر كل التجارب والوسائل التي في حوزتنا، جنباً إلى جنب مع الدروس المستفادة من الماضي، لكي نستفيد منها بحكمة في معالجة ما أصبح من المؤكد أنه تحديات كبيرة في القرن الحادي والعشرين، تحديات السلام والاستقرار والتنمية والتعايش الثقافي والديني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي ورئيس شرف منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"